Cookies management by TermsFeed Cookie Consent أداء التنمية في مصر

القائمة الرئيسية

الصفحات

أداء التنمية في مصر 


أداء التنمية في مصر
أداء التنمية في مصر

مقدمة

خلال العقود الثلاثة الماضية، مر الاقتصاد المصري بمجموعة من التحولات في توجهاته وسياساته وآليات عمله. ففي منتصف السبعينات تم الأخذ بسياسية الانفتاح الاقتصادي، التي أزيل بمقتضاها الكثير من القيود التي كانت تعوق القطاع الخاص خاصة في ميدان التجارة والاستيراد والاستثمار. وخلال الثمانينيات تراكمت مشكلات تمثلت في تصاعد عجز الموازنة العامة للدولة، والتضخم، وعجز ميزان المدفوعات والميزان التجاري، وتباطؤ مؤشرات النمو عامة، وتصاعد مشكلة الديون الخارجية. وأدى هذا إلى تبني الدولة لبرنامج للإصلاح المالي والنقدي في أواخر الثمانينيات، ثم بمقتضاه اتخاذ سياسات تحقق الانضباط المالي، والسيطرة على التضخم، وإعادة الهيكلة لقطاع المشروعات العامة. وفي بداية التسعينات اتخذت إجراءات إضافية لتحرير الاقتصاد، اشتملت على تحرير التعامل في الجنية المصري، ومزيد من تحرير التجارة الخارجية والبدء في إعداد قطاع المشروعات وتفعيل سوق رأس المال العامة للخصخصة. وتحقق نتاجاً لهذه التحولات بعض النتائج الإيجابية تمثلت في خفض معدل التضخم، والسيطرة على عجز الموازنة العامة، وخفض عبء الدين الخارجي بعد الاتفاق مع المؤسسات الدولية والأطراف الدائنة، وتراكم احتياطي من العملات الأجنبية بلغ 21 بليون دولار، وخصخصة عدد من المشروعات العامة دون أن يترتب على الخصخصة قلاقل اجتماعية أو سياسية مثلما حدث في بلاد أخرى. وقد شجعت هذه النتائج على الانتقال فيما بعد منتصف التسعينات إلى مرحلة يتم التركيز فيها على تنشيط وتحريك عوامل التنمية، وتعبئة الموارد، لتحقيق انطلاقة يمكن أن ترفع معدل النمو إلى 6%، 7%. وشهدت سنوات 1996، 1997، 1998 موجه من النشاط بعد التفاؤل بإمكانية تحقيق انطلاقة تنموية كبرى. 

لكن هذه الموجه لم تستمر طويلاً، حيث أصيب الاقتصاد بانتكاسة، حيث تراجعت ذات المؤشرات التي كانت مبعث التفاؤل خلال السنوات القليلة السابقة. وفي البدء كان المتصور أن هذه الانتكاسة أو التراجع تمثل مرحلة تباطؤ في النمو، لن يلبث الاقتصاد المصري أن يتجاوزها ليعاود اتجاهه للصعود. لكن الأزمة استمرت وتفاقمت بشكل أكبر. وقد تناول الأزمة في كتابات عديدة باعتبارها أزمة اقتصادية عارضة تمثل مرحلة من مراحل الدورة الاقتصادية التي تمر بها عادة الاقتصادات الرأسمالية التي تعمل وفق آليات السوق. ولا خلاف على هذا الرأي، إذا كانت الأزمة بالفعل عارضة، وكان الاقتصاد المصري قبلها ولفترة طويلة كان في مسار الصعود. لكن الأمر ليس كذلك أبداً. فالأزمة الاقتصادية الأخيرة هي في عمقها وأسبابها أزمة تنمية، وليست مجرد مشكلة اقتصادية عارضة.

أزمة التنمية

من الممكن حصر وتحليل مؤشرات وأبعاد أزمة التنمية في أربعة مجموعات:

  • 1- تواضع متوسط معدل النمو الاقتصادي وتذبذبه.
  • 2- البطالة المزمنة.
  • 3- العجز المزمن في الميزان التجاري.
  • 4- اختلال توزيع الدخل.

1- تواضع متوسط معدل النمو الاقتصادي، وتذبذبه خلال العقود الثلاثة الماضية.

وقد تصاعد معدل النمو خلال الفترة التي تلت الأخذ بسياسية الانفتاح الاقتصادي في أواخر السبعينات، كذلك اتخذ اتجها تصاعدياً في سنوات منتصف التسعينات. وخلال الفترة الأخيرة ( منتصف التسعينات ) ارتفع معدل الناتج المحلي الإجمالي ( وفقاً لإحصائيات البنك الدولي ) من 4.7% في عام 1995 إلي 5.6% في عام 1998. وكان مقدراً له أن يتجاوز 6% في عام 1999 فوصل إلى 5.9% فقد. وكانت تقديرات الحكومة تشير إلى أن معدل النمو سيصل إلى 7% في عام 2000، وعام 2001، إلا أن النتائج الفعلية تؤكد أنه لم يتجاوز 4.5% خلال العامين الأخيرين، بل ربما يكون أقل من هذا، نظراً لتراجع أغلب المؤشرات ذات العلاقة بالناتج المحلي الإجمالي، مثل الاستثمار ونسب استغلال الطاقة الإنتاجية في قطاعات الإنتاج والخدمات، وسيادة اتجاه انكماشي عام.

ويري البعض أن أحد الصعوبات الجوهرية التي اعترضت ولازالت تعترض تحقيق معدل نمو عالي في الناتج القومي، يكون منتظماً ومستقراً، يكمن في الانخفاض الشديد في معدل الادخار، حيث يتطلب الوصول بمعدل النمو إلي 7% سنوياً أن يرتفع معدل الاستثمار من 18% سنوياً ( وفق إحصاءات 1998 ) إلى 28% سنوياً ( أي إلى نسبة 28% من الناتج المحلي الإجمالي ). ونظراً لأن معدل الادخار لا يتجاوز 17% فإن هناك فجوة تمثل 11% ( الفرق بين معدل الاستثمار المطلوب، ومعدل الادخار الراهن ) ينبغي سدها في معدل الادخار، أو الاعتماد على تدفق خارجي لرأس المال من خلال الاستثمارات الأجنبية والقروض والمعونات.

و يرجع تواضع متوسط معدل النمو خلال العقود الثلاثة الماضية إلى أخطاء في توجيه السياسات التنموية أدى إلى اختلال الهياكل الإنتاجية، وإلى تدهور الإنتاجية الحقيقة نتيجة قصور في تنمية كفاءة وقدرة عناصر الإنتاج، وإلى إفراط في الإنفاق على البنية الأساسية ( خاصة المدن الجديدة ) دون أن يواكبها مشروعات إنتاجية تتناسب مع حجم ما أنفق، فلم يتجاوز رأس المال المصدر للشركات الاستثمارية التي تأسست وبدأت النشاط فعلياً منذ منتصف السبعينات وحتى منتصف عام 2000، نسبة 20.6% من قيمة الإنفاق العام على البنية الأساسية خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين ( مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية 2001 ). ويعكس قصور ناتج الاستثمار في البنية الأساسية، أن ضعف استجابة الاستثمار الخاص، ترجع بدرجة كبيرة إلى قصور البنية المؤسسية وإلى وجود معوقات مؤسسية في مناخ وبيئة الاستثمار، تقلل من جاذبية مصر بالنسبة لرأس المال الخاص الوطني والأجنبي. ولم يفلح الاستثمار الكبير في مشروعات البنية الأساسية التي فامت بها الدولة، ولا الحوافز والإعفاءات الضريبية التي قدمت من قبلها لتشجيع الاستثمار التخفيف من أثر جوانب القصور والمعوقات المؤسسية.

 2- البطالة المزمنة.

شهدت سنوات الثمانينيات بداية لظاهرة البطالة المزمنة، التي تتمثل في ثبات معدلات البطالة عند مستوي عال نسبياً، وعجز سوق العمل عن استيعاب قدامي المتعطلين إضافة إلى المنضمين حديثاً إلى جانب العرض في هذا السوق. وقد بلغ معدل البطالة وفق الإحصائيات الرسمية في عام 1976 إلى 7.7% بعد أن كان 2.5% في عام 1960. ثم قفز إلي 14.7% في عام 1986، ثم هبط إلي 10% في عام 1992، 1993. تراجع بعدها تراجعاً طفيفاً إلي 9.2% في عام 1995-1996 وإلى 8.3% في عام 1997-1998 ثم إلي 7.9% في عام 1998-1999 وعاد بعد ذلك معدل البطالة إلي الارتفاع خلال السنتين الأخيرتين حيث يقدر أنه وصل إلى ما يفوق 12% خلال تلك الفترة. ويقدر البعض أن معدل البطالة أكبر بكثير مما تشير إلية هذه الإحصائيات الرسمية، لأن نسبة جوهرية من المتعطلين لا يسجلون أسماءهم في مكاتب العمل. بل أن المؤشرات الرسمية للبطالة لا تتضمن البطالة الموسمية وتخفي نوعاً مستتراً من البطالة، وهو البطالة المقنعة التي تتغلغل في هياكل التوظف الموجودة في الأجهزة الحكومية وفي شركات القطاع العام التي لم يتم خصخصتها بعد. وهذا النوع الأخير يمثل طاقات عمل غير موظفة توظيفاً منتجاً، ولا تباشر إي عمل حقيقي، حيث تمثل الوظيفة والأجر المدفوع لهم، نوعاً من الإعانة الاجتماعية تتحمله الموازنة العامة والشركات الحكومية لمن لا يستطيعون ( وربما لا يرغبون ) أن يجدوا عملاً منتجاً لدى منشآت القطاع الخاص.

ولعل أهم ما في ظاهرة البطالة، هو وجود نسبة كبيرة من المتعطلين من فئة المتعلمين ( الحاصلين على شهادات متوسطة أو جامعية )، مما يعني أن جزءاً من البطالة التي يعاني منها المجتمع تمثل بطالة متعلمين. ويرجع هذا في جانب كبير منه إلى عدم توافق مخرجات التعليم من حيث الأعداد والتخصص وجودة التأهيل مع ما يتطلب سوق العمل.

 وتقف معدلات البطالة العالية والمزمنة عقبة تتعثر بسببها الكثير من السياسات والبرامج الإصلاحية. ويقع على رأس هذه البرامج تخفيض حجم الجهاز الحكومي، والسير قدماً في برامج الخصخصة وإعادة هيكلة الهيئات الاقتصادية. فلا شك أن التضخم الموجود في الجهاز الحكومي، يمثل في جوهره محاولة لامتصاص جزء من العرض الموجود في سوق العمل. لذلك يصعب معالجة التضخم الوظيفي في الجهاز الحكومي وفي شركات القطاع العام إذا كان سوق العمل مكتظ بالعاطلين، 

وتعد مشكلة البطالة واحدة من أخطر المشكلات والتحديات التنموية التي تواجهها مصر الآن، إن لم تكن أهمها وأخطارها على الاطلاق. ومنبع الخطورة هنا لا يكمن فيما تمثله هذه الموارد المعطلة من إهدار في عنصر العمل البشري وما ينجم عنه من صناعات اقتصادية، وإنما يكمن في النتائج الاجتماعية الخطرة التي ترافق حالة التعطل، وبالذات فيما بين الشباب، حيث تعد البطالة هي البيئة الخصبة والمواتية لنمو الجريمة، والتطرف وأعمال الإرهاب والعنف. وهي كذلك تمثل عاملاً لتفكك القيم وانهيار الأخلاقيات، بما يقترن بها من ظروف العوز واليأس المرتبطة بانعدام إمكانية الحصول على الدخل، والسقوط تحت خط الفقر المطلق. ولا شك أن مؤشرات وتداعيات البطالة على النحو السالف، تمثل بعداً هاماً من أزمة التنمية. وعلى جميع الأطراف المعنية ( مجلس النواب، المؤسسات والتجمعات الممثلة القطاعات الاقتصاد ) إيجاد حلول تعالج الأسباب والجذور العميقة لهذه المشكلة التي يقع أغلبها في استراتيجية وسياسيات وجهود التنمية وتأثيرها على عمل الهياكل المؤسسة التي تفرز جانب العرض ( مؤسسات التعليم والتدريب ) وتلك التي تتعلق بجانب الطلب ( المؤسسات الموظفة ).

3- العجز المزمن في الميزان التجاري.

هناك عجزاً مزمناً في الميزان التجاري لمصر، تتمثل في الزيادة الهائلة لجانب الواردات على جانب الصادرات. ويعتبر هذا الاختلال ملمحاً دائماً للميزان التجاري المصري. وقد بلغ هذا العجز 12.5 بليون دولار في العام المالي 1998 -1999، وبلغ نحو 11.5 في العم المالي 1999-2000. ويعني هذا العجز أن الإنتاج المحلي من السلع يقل في كثير من عناصره عن الطلب المحلي عليها بشكل كبير، مما يتتبع زيادة الواردات منها لمجابهة الطلب المحلي، وهو يعني أيضاً أن الطلب على الصادرات المصرية ( أي الطلب الخارجي على المنتجات المصرية ) يقل كثيراً عن الطلب المحلي على السلع المستوردة. وقد بلغت قيمة العجز في الميزان التجاري المصري المتراكم حتي منتصف عام 2000 نحو 85.5 بليون دولار. كما بلغت قيمة العجز في العامين الماليين الآخرين 1998-1999، 1999-2000 على الترتيب حوالي 12563، 11474 مليون دولار.

وبهذا فقد بدأ يتآكل جزء كبير من احتياطي العملات الحرة الذي تكون في النصف الأول من التسعينات وكان من الممكن أن يوظف على نحو أفضل في إعادة هيكلة الاقتصاد وتحقيق التنمية بدلاً من استنزافها في تلبية حاجات المستوردين للسلع الاستهلاكية والكماليات وتلبية الحاجات الاستيرادية من السلع الوسيطة اللازمة لصناعات التجميع التي لا تشكل إضافة حقيقية إلى الاقتصاد المصري.

وما من شك أن الاختلال المزمن في الميزان التجاري هو السبب في الضغوط الكبيرة التي يتعرض لها الجنية المصري مقابل الدولار الأمريكي والتي أدت إلي اضطراب سوق الصرف المصرية خلال العام 2000، والنصف الأول من عام 2001. بقية وما شك أيضاً أن جزءاً كبيراً من مشكلة اختلال الميزان التجاري المصري لسنوات طويلة يرجع إلي توجه الهيكل الإنتاجي في مصر بالسوق الداخلي نتيجة سياسات الحماية فضلاً عن غياب استراتيجية متكاملة لتشجيع وتنمية التصدير، وعدم استغلال الفرص الشاسعة التي أتاحتها وتتيحها السوق العالمية.

4- اختلال توزيع الدخل.

يمثل تحسين دخول ومستوى معيشة الفئات الأقل حظاً في المجتمع وهي الطبقات الفقيرة ضمن تحسين دخول ومستوى مختلف طبقات المجتمع، وتحقق عدالة توزيع الدخل والثروة أحد الأهداف الأساسية للتنمية وأحد النتائج التي يقاس بها نجاحها. ويرجع هذا لأن الطبقة الفقيرة بحكم ظروف معيشتها تمثل الطبقة الأولى بالرعاية، من منظور اجتماعي سياسي حيث يسهم تحسين مستوى معيشها في توفير الاستقرار والأمان للمجتمع، ومن منظور اقتصادي حيث يمثل تحسين مستوى معيشتها تمكينها من أن تصبح قوة شرائية إضافية توسع قاعدة السوق الداخلي والطلب الفعال من ناحية، وقوة إنتاجية نتيجة تحسين مستوى التغذية والصحة وارتقاء نوعية الحياة لأفرادها من ناحية ثانية. ويعني هذا أن تحسين متوسط الدخل الفردي في المجتمع ينبغي أن يقترن بتحسين مستوى دخول الشرائح الأقل دخلاً تحسيناً جوهرياً وملموساً. ودون ذلك فإن مجرد الزيادة في الناتج القومي الإجمالي، وزيادة متوسط الدخل الفردي، مع تدهور توزيع الدخل يعني توسيع قاعدة الفقر وتركيز الثروة في فئة قليلة من المجتمع.

وترجع تفاقم مشكلة توزيع الدخل إلي عدة عوامل، من أهمها:

  • 1- الزيادة السكانية الكبيرة والتي جاءت من الفئات الاجتماعية الأقل دخلاً.
  • 2- موجه التضخم العارمة التي سادت خلال العقود الثلاثة الأخيرة والتي جردت شريحة كبيرة من الطبقة المتوسطة.
  • 3- مستويات البطالة العالية التي استمرت لسنوات طويلة وما تعنيه من فقدان كامل لمصدر الدخل وتدهور في مستوى المعيشة.
  • 4- التدهور المستمر في نظام التعليم، والصعوبة المتزايدة في الحصول على خدمة تعليمية جيدة خاصة بالنسبة للطبقات الفقيرة.


المراجع

- النجار، سعيد ( 2000 )، تجديد النظام الاقتصادي والسياسي في مصر، القاهرة، دار الشروق.

- تقرير البنك الدولي ( 2001 ).

- زكي، رمزي ( 1999 )، في وداع القرن العشرين: تأملات اقتصادية في هموم مصرية وعالمية، دار المستقبل العربي.

- مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية ( 2001 )، الاتجاهات الاقتصادية الاستراتيجية 2000، الطبعة الثانية.

تعليقات

التنقل السريع