Cookies management by TermsFeed Cookie Consent دور العوامل المؤسسية في التحول إلي اقتصاد السوق

القائمة الرئيسية

الصفحات

دور العوامل المؤسسية في التحول إلي اقتصاد السوق

دور العوامل المؤسسية في التحول إلي اقتصاد السوق

دور العوامل المؤسسية في التحول إلي اقتصاد السوق
دور العوامل المؤسسية في التحول إلي اقتصاد السوق


مقدمة

تكشف أزمة التنمية والأزمة الاقتصادية الراهنة بتداعياتها وآثارها المتشبعة، وكشفت التحليلات التي قدمت بشأنها، عن عمق الجذور والعوامل التي أسهمت فيها. ويتعلق أغلب هذه العوامل بالموجهات والسياسات التنموية والاقتصادية وأدوار الفاعلين الرئيسيين في الحياة الاقتصادية، أي القوى الرئيسية الدافعة والأطراف المؤثرة في الاقتصاد.

القوانين الاقتصادية الحاكمة لعمل منظومة الاقتصاد الحر التي تشمل أليات السوق والمنافسة وجهاز الائتمان، والحاكمة لتفاعل القوى الاقتصادية المتعلقة بالطلب الفعال والإنتاج والتصدير والاستهلاك والادخار والاستثمار لا تتفاعل أو تعمل في فراغ. فتفاعل القوى والمتغيرات الاقتصادية في الاقتصاد الحر، وعمل القوانين الاقتصادية، يتم من خلال أطر وهياكل مؤسسية متشابكة ومركبة. وتحديد درجة تطور هذه الأطر والهياكل، درجة كفاءة عمل وتفاعل القوى الاقتصادية. وهي تحدد كذلك حركة ونشاط الفاعلين الرئيسيين في الاقتصاد المتمثلين في: الدولة، المنشآت الاقتصادية، العمال ونقابتهم، المستهلكون، المنظمات غير الحكومية.

ولعل أبرز مثال على أهمية الأطر المؤسسية التي تكافل توازن القوى الاقتصادية والأطراف الفاعلة هو الفشل الذي أصاب النظم التي تعتمد على هيمنة الدولة والتخطيط المركزي، والسيطرة شبة المطلقة للأجهزة الحكومية البيروقراطية بما ينفي تأثير القوى والأطراف الفاعلة الأخرى. فقد أدى تراكم الاختلالات الناجمة عن هذا الوضع المؤسسي غير السوي إلى انهيار هذه النظم كلية. وجاء هذا الانهيار نتيجة تجميد وإيقاف عمل القوانين الاقتصادية المحفزة للنمو، والمحققة للتوازن بفعل هيمنة أجهزة ومؤسسات الدولة، والسيطرة المركزية للأجهزة الحكومية التي فقدت الدافع للتطوير والتحسين بحكم احتكارها الممتد عبر فترة طويلة لسلطات الحكم والإدارة المجتمعية.

تطور الأطر المؤسسية للاقتصاد المصري خلال نصف القرن الماضي.

لقد عرفت مصر الاقتصاد الحر لعقود ممتدة خلال القرن العشرين، قبل أن تتحول إلي اقتصاد موجه في الخمسينيات، ثم إلى اقتصاد مخطط مركزياً خلال الستينيات. ولم يكن التطور الرأسمالي خلال عقود الاقتصاد الحر أو تطور الأطر والهياكل المؤسسية للاقتصاد قد اكتملت على النحو المناظر في النظم الرأسمالية المتقدمة. وعندما تم التحول إلى الاقتصاد الاشتراكي المخطط كان قد تم استحداث مجموعة من الآليات المؤسسية التي يدار من خلالها الاقتصاد مثل وزارة التخطيط، والمؤسسات النوعية التي تبعتها المشروعات المملوكة للدولة، ومجلس الإنتاج، والجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء. كما تم التوسع في الجهاز الحكومي، وتوسعت أدواره لتشمل إدارة القطاعات الإنتاجية والمشروعات التابعة لها. وخلال حقبة الاقتصاد المخطط، لم تعرف مصر الدورات والتقلبات الاقتصادية الشديدة، أو التضخم أو مستويات البطالة التي تعاني منها حالياً.

وليس هذا بغريب فالاقتصادات المخططة لا تسيطر على التوازن العام فحسب بل تصنعه صنعاً من خلال التخطيط وإيقاف عمل آليات السوق. ولا يعني هذا أن التوازن المحقق ( المصنوع ) في ظل التخطيط المركزي يحمل استخداماً أمثل للموارد أو تخصيصاً كفواً لها. فكثيراً ما يتحقق هذا التوازن الصوري في ظل إنتاج يتسم بالندرة في بعض المجالات، وبالوفرة في مجالات أخرى، وكثيراً ما يعيش المجتمع أزمات في بعض السلع الأساسية، ويعمل الاقتصاد في ظل متوسط دخل حقيقي متواضع وإن كان مستقراً، وفي ظل مستويات تشغيل عالية، ولكنها صورية حيث تحوى بطالة مقنعة وانخفاضاً في إنتاجية عوامل الإنتاج. التوازن المحقق إذن هو توازن مخطط مصطنع، والانتظام والاستقرار الاقتصادي يغلفان حالات شائعة من انخفاض الكفاءة نتيجة ضعف الحافز والمبادرة وتراجع القدرة على التجديد. وبصرف النظر عن كفاءة هذا النظام وعن قدرته على تحقيق النمو المتسارع والمتوازن. فهناك أطر وهياكل وآليات مؤسسية تدير المنظومة الكلية للاقتصاد وتسعى لضبط إيقاعاتها. ومع تحول مصر إلي الاقتصاد الاشتراكي المخطط اعتمدت على الجهاز الحكومي في إدارة منظومة الاقتصاد، وإن توسعت في حجمه وأدواره دون أن تغير كثيراً من أنظمة وأساليب وممارسات عمله. لذلك ليس غريباً أن ينسب البعض إلى الجهاز الحكومي ( البيروقراطي ) الدور الأكبر في إفشال الكثير من السياسات التي تبنتها الدولة حينئذ، إذا لم يتم إعادة بناء هذا الجهاز بما يتسق مع فلسفة وقيم وتوجهات النظام الاشتراكي.

وهكذا كان التوازن والاستقرار الاقتصادي الذي يتحقق على السطح، يخفي في طيات النظام جوانب عديدة من سوء توجيه وتخصيص الموارد يتبدى في ارتفاع التكلفة وانخفاض الجودة، ومن استئثار واستحواذ فئات محدودة ممن يملكون السلطة، في غيبة مؤسسات رقابية فعالة، على مكاسب ومزايا ريعية لا يستحقونها.

وبتحول مصر إلى الاقتصاد الحر في منتصف السبعينات، وتطبيق ما سمي بسياسية الانفتاح الاقتصادي، ثم تقليص دور الدولة تدريجياً في الاقتصاد. وتم تبني فلسفة الاقتصاد الحر بدءاً من التسعينات في أعقاب البدء بتنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي استهدف السيطرة على التضخم وضغط عجز الموازنة وتحرير الجنية مع الحفاظ على استقراره، وخصخصة المشروعات العامة المملوكة للدولة. وتحول البرنامج بعد قيام منظمة التجارة العالمية WTO إلى الإزالة التدريجية للقيود والعوائق التي تقيد حرية التجارة الخارجية. وخلال الفترة من بدء تطبيق سياسات الانفتاح والتحرير الاقتصادي شهدت مصر موجه عارمة من التضخم والبطالة المزمنة، وإعادة توزيع شامل للثروة والدخل.

وبنفس النمط الذي تم بمقتضاه التحول الفجائي إلى الاقتصاد المخطط في أوائل الستينيات، تم التحول فجائياً أيضاً إلى تطبيق سياسات الاقتصاد الحر في منتصف السبعينات. وفي كلتا الحالتين لم تجر إعادة بناء للأطر والهياكل المؤسسية على نحو شامل ومتكامل ليجعلها أداة دفع للاقتصاد وآلية لتفعيل القوى والأطراف الفعالة الرئيسية فيه، بما يتفق مع فلسفته وتوجهاته الرئيسية سواء كان اقتصاداً اشتراكياً مخططاً مركزياً أم رأسمالياً حراً يعمل وفق أليات السوق. 


تعليقات

التنقل السريع